جنيف، 17 أيار/ مايو 2019 (المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)) – آثار تغير المناخ، وما يرتبط بها من ارتفاع مستوى سطح البحر والطقس المتطرف، تتفاقم جراء المستويات القياسية لغازات الاحتباس الحراري، إلى جانب التوسع الحضري والتدهور البيئي والإجهاد المائي، مما يتسبب في أزمات متداخلة. وثمة حاجة إلى تغيير جذري في المسار، طبقاً للمنتدى العالمي للحد من مخاطر الكوارث.
أعلن الأمين العام للمنظمة (WMO)، السيد بيتيري تالاس، في المنتدى العالمي للحد من مخاطر الكوارث "أننا نشهد أعلى مستويات تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ ثلاثة ملايين عام،". ونوه بأن أحر أربع سنوات مسجلة جاءت في السنوات الأربع الماضية، كما يُتوقع أن يستمر الاتجاه الاحتراري المشهود منذ بداية القرن بسبب زيادة مستويات غازات الاحتباس الحراري. ولا بد من اتخاذ تدابير للتخفيف من تغير المناخ، وكذلك للتكيف معه.
وأضاف السيد تالاس أن "الولايات المتحدة وحدها قد شهدت خلال العام الماضي 14 كارثة تتصل بالطقس والمناخ، خلَّفت دماراً، وتجاوزت تكلفة كل منها مليار دولار أمريكي، بتكلفة إجمالية قدرها 49 مليار دولار تقريباً. وعلى مستوى العالم، تضرر أكثر من 35 مليون شخص بالفيضانات. وهذا العام، تسبب الإعصار المداري إيداي في وفاة أكثر من 1000 شخص في موزامبيق وزمبابواي وملاوي. وبعد ذلك بأسابيع قليلة، ألَّمَ الإعصار المداري كينيث بأقصى شمال موزامبيق، وهو أقوى إعصار مداري مشهود منذ بدء السجلات في العصر الحديث،".
ويركز المنتدى العالمي للحد من مخاطر الكوارث لعام 2019 على التعجيل باتخاذ الإجراءات لتعزيز القدرة على مقاومة المخاطر الطبيعية المتداخلة التي تعطّل أو تدمر حياة ملايين الأفراد كل عام. ويعقد مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNISDR) المنتدى كل عامين، وقد عُقد منتدى هذا العام في الفترة 17-13 أيار/ مايو.
وأدلى السيد تالاس أيضاً ببيان مشترك نيابة عن منظومة الأمم المتحدة، وأعلن عن حاجتنا إلى "إجراء تغييرات جذرية في المسار" للتصدي للأزمات العالمية.
وقال السيد تالاس في البيان المشترك "ليس لدينا وقت نضيعه. وكما أشار الأمين العام للأمم المتحدة فإن "تغير المناخ يسير بوتيرة تتجاوز سرعتنا في التحرك". والتوسع الحضري والتصنيع، وندرة الماء، وتدهور الأراضي والتصحر، وضياع التنوع البيولوجي، ليس إلا بعضاً من العناصر المتداخلة الكثيرة الدافعة نحو زيادة الكوارث وتفاقم آثار تغير المناخ. والبلدان والسكان الأشد ضعفاً يواجهون بالفعل آثاراً مدمرة. وكما شهدنا في السنوات الأخيرة في موزامبيق والهند وشرق أفريقيا وفي بلدان ومناطق كثيرة أخرى حول العالم، يعود ملايين السكان إلى براثن الفقر كل عام بسبب المناخ ومخاطر الكوارث. ويتعرض الملايين للتشرد، ويتخلف كثيرون عن الركب،".
وأشار البيان إلى أننا "نحتاج إلى مضاعفة الجهود لإدارة المخاطر الحالية التي استفحل أمرها مع مرور الوقت، والحيلولة في الوقت ذاته، قدر الإمكان، دون نشوء مخاطر جديدة،".
ويهدف المنتدى العالمي إلى التعجيل بتحقيق تقدم نحو بلوغ الأهداف الرئيسية لإطار سِنداي للحد من مخاطر الكوارث 2030-2015، والخطة العالمية للحد من خسائر الكوارث، التي اعتمدها المجتمع الدولي في آذار/ مارس 2015.
وصرح الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريش، في تقرير التقييم العالمي لعام 2019، الذي نُشر بالتزامن مع المنتدى العالمي، قائلاً "إذا اخترت عبارة واحدة لأصف حالة العالم فسأقول إننا نعيش في عالم يواجه صعوبات تزداد تضافراً، بينما نقدم حلولاً تزداد تشتتاً لمواجهتها. وإذا لم يتغير هذا الأسلوب تماماً، فإننا نوفر الأسباب لحدوث الكوارث،".
ويهدف المنتدى العالمي إلى استعراض التقدم المحرز، وتقاسم المعارف، ومناقشة آخر التطورات والاتجاهات في الحد من مخاطر الكوارث.
المؤتمر المعني بالإنذار المبكر بالأخطار المتعددة
نتائج المؤتمر الثاني المعني بالإنذار المبكر بالأخطار المتعددة (MHEWC-II)، الذي استضافته المنظمة (WMO)، قد غذت المناقشات التي دارت في المنتدى العالمي. وهذا الاجتماع، المعقود في يومي 13 و14 أيار/ مايو، نظمه 19 شريكاً للشبكة الدولية لنظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة (IN-MHEWS) ومنظمات أخرى.
وانصب تركيز المؤتمر على تحسين الإنذارات – والإجراءات – في مواجهة المخاطر، من قبيل الزلازل والانفجارات البركانية والطقس المتطرف وظواهر الماء والمناخ، والتحديات المتداخلة التي يشكلها تغير المناخ وزيادة السكان والتوسع الحضري وتدهور البيئة.
وأفاد السيد تالاس "أننا نرى، من منظور المنظمة (WMO)، أن محرك الحد من مخاطر الكوارث هو نظم الإنذار المبكر. فالحد من مخاطر الكوارث بمثابة السيارة، ونظم الإنذار المبكر هي المحرك،".
وقال أمام المؤتمر (MHEWC-II): ولما كان من اللازم أن يدفع المحرك السيارة حتى آخر ميل، بل آخر متر، فلا بد من أن تصل الإنذارات المبكرة إلى من هم في أمس الحاجة إليها.
وناقش المؤتمر النجاحات المحققة وكذلك الصعوبات المواجهة.
وسلط الضوء السيد موسى مصطفي، نائب المدير العام للمرفق الوطني للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا في موزامبيق، على الكارثة الناجمة عن إعصارين متتاليين لم يشهد البلد لهما مثيل، واللتين تسببتا في مقتل مئات الأشخاص وفي دمار شامل. وأشار، بالنسبة إلى إعصار إيداي، إلى أن المجتمعات المحلية في المناطق المنخفضة قد حوصرت دون تلقي إنذارات بالفيضانات.
لم يكن هناك خطط احترازية للتعامل مع ظاهرة بهذا الحجم. وكان رد الفعل أبطأ مما ينبغي، وحدث انهيار تام في الاتصالات والخدمات الأساسية. وسقط في منطقة بيرا والمناطق المحيطة بها في بضعة أيام 30 في المائة من إجمالي الأمطار السنوية. وتم الاهتمام بشكل مبالغ فيه بالرياح العاتية، ولم نهتم بالقدر الكافي بما يمكن أن تسفر عنه الأمطار الغزيرة من فيضانات.
وأشار إلى أن الإعصار كينيث، قد نزل بمنطقة غير معتادة على الأعاصير المدارية الشديدة، ومن ثم تمثلت الصعوبة الرئيسية في إقناع السكان بإخلاء المنطقة.
وعلى الرغم من أن 90 في المائة من الكوارث الناجمة عن مخاطر طبيعية تنجم عن الفيضانات والعواصف والجفاف وموجات الحر وغيرها من ظواهر الطقس شديد التأثير، فإن معظم حالات الوفيات في العشرين عاماً الماضية قد نجمت عن ظواهر جيوفيزيائية، وأغلبها الزلازل والتسونامي.
وقالت السيدة Dwikorita Karnawati، رئيسة الوكالة الإندونيسية للأرصاد الجوية والمناخيات والجيوفيزياء (BMKG)، إن إندونيسيا، التي تقع في منطقة الحزام الناري، قد شهدت 11 920 زلزالاً في 2018.غير أن ظاهرتي التسونامي، اللتين تسببتا في مقتل مئات الأشخاص، قد نجمتا عن انهيارات تحت بحرية وانفجارات بركانية. ولم يكن نظام الإنذار المبكر في البلد يصدر إنذارات إلا بالتسونامي الناجم عن الزلازل. وإندونيسيا بصدد التحول إلى نظام إنذار متعدد الأخطار في محاولة لمواجهة التحديات.
وأكدت لجنة اليونسكو الدولية الحكومية لعلوم المحيطات الحاجة إلى "ابتكارات جديدة واستثمارات جديدة ومعارف علمية جديدة" لتحسين شبكة مراقبة التسونامي والإنذار المبكر بها، وللتحول إلى نهج متعدد المصادر.
وأدى تدمير البيئة والنظم الإيكولوجية إلى تفاقم الصعوبات. فإزالة الغابات تزيد من مخاطر الهطول الغزير الذي يؤدي إلى فيضانات وانهيارات أرضية، ويزيد أيضاً من حدة الجفاف بسبب إزالة الأشجار.
وصرح السيد Pascal Peduzzi، من قاعدة بيانات الموارد العالمية (GRID) التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، أن "ما نشهده لم يعد كارثة طبيعية، وإنما كارثة من فعل الإنسان...إننا نحتاج إلى نظام للإنذار المبكر لمدة عشر سنوات للاهتمام بالبيئة،".
توصيات المؤتمر الثاني المعني بالإنذار المبكر بالأخطار المتعددة (MHEWC-II)
اتفق المؤتمر على مجموعة من التوصيات لاتخاذ مزيد من الإجراءات. وأصدر أيضاً بياناً من مديري 19 مرفقاً وطنياً للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا (NMHSs) مشاركاً، أكدوا فيه مجدداً التزامهم بتحسين الإنذارات المبكرة بالأخطار المتعددة.
الخطوة الأخيرة
الابتكارات في تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكن استخدامها بفعالية للوصول إلى المجتمعات المعرضة للخطر. لكن من الأهمية بمكان للتأكد من وجود نهج محوره الإنسان عند إعداد نظام للإنذار المبكر يراعي احتياجات الناس وإدراكهم للمخاطر، وكيفية وصول أفراد المجتمعات المختلفة إلى المعلومات وتبليغها. إننا في حاجة إلى التخلي عن النهج المدار "من أعلى إلى أسفل".
وقال السيد David Johnston، من هيئة المسح الجيولوجي بنيوزيلندا، إن "دور السلوك البشري في إصدار الإنذارات حيوي...إننا نحتاج إلى وضع الإنسان في محور التركيز".
تعزيز الروابط بين الإنذارات المبكرة والإجراءات المبكرة من خلال تنبؤات قائمة على الآثار
أُحرز تقدم هائل في التنبؤ بالطقس على مر السنوات، ويحتاج هذا التنبؤ الآن للانتقال من التكهن بحالة الطقس إلى توقع ما سيتسبب فيه الطقس – وهو ما يُعرف بالتنبؤ "على أساس الآثار". ولا غنى عن التشارك بين المجتمع العلمي والبحثي والممارسين في المجالين الإنساني والإنمائي لضمان ترجمة الإنذارات إلى إجراءات. ولا بد من إبلاغ رسائل الإنذارات المبكرة بشكل يلائم أوضاع الأطراف المعنية للتأكد من فهمهم للرسائل واتخاذهم إجراءات بناءً عليها.
وأفاد برنامج الاستعداد للأعاصير في بنغلاديش – وهو برنامج مشترك بين حكومة بنغلاديش وجمعية الهلال الأحمر – أن أزمة اللاجئين في المخيمات في المناطق الساحلية المنخفضة قد أسفرت عن "نظام معزز للإنذار المبكر". لقد كفل النشاط الجماعي والتعبئة الاستعداد في جميع المخيمات قبل وصول الإعصار المداري فاني في أوائل أيار/ مايو.
العلوم والتكنولوجيا والابتكار
يسَّرت التكنولوجيا الساتلية وقدرات الحوسبة تحقيق تقدم في مراقبة المخاطر والتنبؤ بها وتفسيرها، لكن تطبيق أفضل المعارف العلمية والتكنولوجيا يذهب سدى إذا كانت الرسائل خاطئة.
وقال السيد Brian Golding، من دائرة الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، في الجلسة الختامية "لا بد أن تكون الإنذارات المبكرة مفيدة وقابلة للاستخدام، ويجب استخدامها لحل مشكلات المستخدمين وتقديم حلول مجدية لهم،".
تصميم نظم الإنذار المبكر بحيث تغطي أخطار متعددة
أوصى المؤتمر باتباع نهج مرحلي إزاء نظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة. وأكد ضرورة توفير موارد مستدامة، واقتران التطورات التكنولوجية بالابتكارات المجتمعية. فينبغي الاستفادة من المعارف التقليدية والأصلية والمحلية، ويجب أن يظل النظام بسيطاً وقابلاً للتعديل. وتبادل البيانات مفتوحة المصادر أمر حيوي لإنقاذ الأرواح.
وأشار السيد Michel Jean، رئيس لجنة النظم الأساسية (CBS) التابعة للمنظمة (WMO)، إلى أن "نظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة معقدة للغاية. ولكن يجب على المواطنين اتخاذ قرارات فورية استناداً إلى تلك المعلومات، التي يجب تقديمها على نحو يمكِّن الناس من فهمها واتخاذ قرارات على أساسها لإنقاذ الأرواح والحد من المخاطر،".
قياس فعالية نظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة
أقر المؤتمر بضرورة توضيح فوائد الإنذار المبكر وقيمته من الناحية الاستثمارية.
وأشار السيد Magagi Laouan، وزير الشؤون الإنسانية وإدارة الكوارث بالنيجر، إلى أن 3 702 كارثة مسجلة قد كلفت بلده أكثر من ثلاثة مليارات دولار خلال الأربعين عاماً الماضية. كما أنها أدت إلى مقتل 10 625 شخصاً، ونفوق 17 مليون رأس ماشية، وتدمير 72 000 منزل و2.6 مليون هكتار من الأراضي الزراعية. وتعمل السلطات، بدعم من الإطار العالمي للخدمات المناخية (GFCS) والمبادرة المعنية بنظم الإنذار المبكر بالمخاطر المناخية (CREWS)، على الحد من الخسائر المرتبطة بالطقس والمناخ، وتعزيز الإنتاجية الزراعية، وكفالة ألا تتفاقم أحوال الجفاف بما يفضي إلى مجاعة.
وأُبلغ المؤتمر أن جمهورية الكونغو بصدد تحديث المرفق الوطني للأرصاد الجوية الهيدرولوجية، بدعم من المبادرة (CREWS) الممولة من جهات مانحة متعددة. ومن المتوقع أن يسفر هذا المشروع، الذي تبلغ تكلفته 8 ملايين دولار أمريكي، عن تحقيق فوائد قدرها 64 مليون دولار، أي ثمانية أمثال التكلفة، لا سيما في مجال الزراعة، مع تحقيق فوائد غير مباشرة لقطاعات أخرى.
ويعمل البنك الدولي، من خلال المرفق العالمي للحد من مخاطر الكوارث التابع له، على تحديث نظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة في البلدان النامية، على أساس أن يصل معدل الفوائد/ التكلفة إلى ما لا يقل عن 1:3. وترمي خطة عمله للتكيف مع تغير المناخ ومقاومته، إلى توسيع نطاق الوصول لبيانات الأرصاد الجوية الهيدرولوجية عالية الجودة ولنظم الإنذار المبكر، بحيث يستفيد من ذلك 250 مليون شخص إضافي في 30 بلداً نامياً على الأقل بحلول 2025.
حوكمة نظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة
تشمل الرسائل الرئيسية ضرورة وجود أطر قانونية وسياسية، ومشاركة مجتمعية، وشراكات بين الأوساط الأكاديمية والقطاع العام والقطاع الخاص.
وأشار السيد وينيان تشانغ، الأمين العام المساعد للمنظمة (WMO)، إلى أن "معلومات الأرصاد الجوية والمعلومات العلمية الأخرى لا يمكن أن تفضي بمفردها إلى الحد من مخاطر الكوارث ما لم تتوافر أطر حكومية، وما لم تدرك الحكومات الإجراءات التي عليها اتخاذها. والإطار القانوني هام للغاية. وهذا يتطلب منا جهداً مشتركاً،".